عشرون عامًا، خمس مرات
لعب كأس العالم في هذه السنين، وما رأيت منتخب بلادي مرة من هذه المرات مشارك في
البطولة الأغلى. ربما في ثلاث نسخ منهم لم أتجرع مرارة عدم تمثيل مصر لقارتها في
هذه البطولة العالمية، ولكنني تجرعت هذه المرارة مرتين مرة في تصفيات 2010 وموقعة
أم درمان ومرة في موقعة عيد الأضحى الكئيبة حينما كنا القربان الذي تقدمت به غانا
للإتحاد الدولي للحصول على بطاقة العبور لكأس العالم 2014.
أخيرًا وبعد أن
أتممت العشرين عامًا، على موعد بأن أرى ألوان تي شيرت المنتخب القومي المصري في
نهائيات كأس العالم في روسيا 2018، متشوق لمعرفة شعوري الشخصي حينما يُعزف النشيد
الوطني في أول مباراة في افتتاحية مباريات منتخبنا في روسيا.
وعلى الرغم من أن
كثير من المشاهد الكروية في هذه المباراة يمكن
التعليق عليها وكتابة سطور لا حصر لها عنها، ورغم أن هذه المباراة كانت تحتوي على
العديد من اللقطات الإنسانية التي لو أردنا التعليق عليها لكتبنا مجلدات، ولكن –
وبما أنني أكتب للمتعة لا للتعيش من وراء الكتابة – سوف أعلق على بعض الأفكار التي
تواردت إلى عقلي بعد انتهاء المباراة.
الكرة ليست أفيونًا
يُخدر الجموع عن الإهتمام بالقضايا المركزية، وليست طريقة ناجحة – وإن كانت بعض
السلطات مازلت تعول عليها – لصرف نظر الشعوب عن اخفاقات السلطة، والدليل موجود
ومجرب وليس منقولًا من تجارب على الجانب الثاني من البحرالمتوسط ، ولكن من تجربة
عايشناها جميعًا، وهي أن مصر أحرزت بطول أفريقيا للمرة الثالثة على التوالي في
2010، وكانت متسيدة قارتها، وبدأ "الجيل الجديد" من نظام مبارك في
التمحك بالمنتخب وتصدروا مشهد "أم درمان" وعلى الرغم من ذلك نزلت الجموع
في يناير 2011 وهتفت في ميادين مصر "الشعب يريد اسقاط النظام". والدليل
أيضًا على بؤس اعتقاد من يقول بهذه الأراء الفقيرة هو أنه مر يومين على انتهاء
المباراة وكان هناك قبلها شهور، فهل رأيتم أحدًا منهم يقف على مدخل ميدان التحرير
أو أمام أي مبنى للسلطة ويعلو صوته بمطالبه السياسية؟ ولما لا يقول هؤلاء بأن
مسيرات احتفالات بطولات أفريقيا في 2006 و 2008 و 2010 الفجائية هي من علمت
المصريين كيف يتحمعون وبدون أي تنظيم تحت راية الوطن، فظهر هذا في الحراك السياسي
الذي عاشته مصر في السنين الأخيرة؟
والكرة الحديثة ليست
عرضًا تافهًا يجري فيه 22 رجلًا خلف كرة، وإنما هي منظومة اقتصادية كاملة، ومنظومة
اجتماعية خطيرة، فالأندية المحترفة تتخطى ميزانيتها ميزانية دول بأكملها، والدول
التي بها منظومة أندية محترمة تعتبر لديها حصنًا تستخدمه لنشر الثقافة وتقريب
الأفراد من بعضهم البعض، وأماكن لممارسة الشباب لهوايتهم، وتعتبر منظومة الكرة
ذراعًا من أذرع الدول الناعمة للتقريب بين الشعوب وتعميق العلاقات مع دول العالم
ودعاية ناجحة للدولة في الخارج.
وتعتبر للكرة –
باعتبارها اللعبة الشعبية الأولى – مصدر لتصدير قيم إيجابية كثيرة كالقدرة
والإنجاز، وما أشد احتياج دولنا لهذه القيم! وما أعظم أن يتصدر للشباب أنه لا
مستحيل في صورة محمد صلاح مثلًا ابن بسيون الذي نباهي به الآخرين والذي هو مثالًا
حيًا للقدرة والإنجاز بما حققه على المستوى الوطني والعالمي، وما أعظم أن يتسرب
لنا الشعور بالغبطة اتجاه فرحة لاعبي منتخبنا الشديدة بعد ما استطاعت مصر من
خلالهم أن تعبر للعالمية، واستطاعوا ان يجعلوا مصر لا تنام ليلة كاملة من الفرح.
وأختم بسعادتي
البالغة برفع العلم المصري في احتفال وطني جامع، بعد أن دنسته السياسة، وكم من
الجرائم والتجاوزات في السنين الأخيرة تمت تحت رايته! ونتمنى أن نراه دائمًا
عاليًا خفاقًا، غير متاجر به ولا مُخصخص من جانب بعض من يروا أنفسهم تُجار
الوطنية.
مبروك لينا
ولمصر.
No comments:
Post a Comment