Monday, November 2, 2015

شهر في شوارع المحروسة.

المقال :


(١)
في نهاية سبتمبر ، تحديداً في يوم ٢٦ قُبيل بدء العام الأكاديمي الجديد وصلت الى مطار القاهرة ، في اليوم قبل الأخير من عيد الأضحى المبارك ، توقعت من الحملة التي كنت أتابعها ومعجب بها بإعتبارها دليل على وجود مجتمع مدني حيّ وواعي "بلاها لحمة"  ان تؤثر على سوق الأضاحي في عيد الأضحى ولكن الواقع عكس ذلك ، حيث وجدت المصريين يتناولون اللحم بشكل مستمر في وجبة الإفطار والغداء والعشاء ومن الممكن ان يضعها أمامه كنوع من التسالي بين الوجبات ، فلا مواطن في الشارع من بعد صلاة العشاء خمول تام نتيجة التأثير الشنيع للأضاحي .
(٢)
بدأت الجامعة وأشهد الله وأشهدكم أنه لم تعكر علاقتي بجامعتي ولا كليتي التي احبها بشكل شبه مندثر في مصر ان يحب طالب ما يدرسه غير "شئون الطلبة" وقبلها البيروقراطية المصرية اللعينة التي لا تريد ان تموت بل تريد ان تعيش أبد الدهر لكي تميت الصريين ، جلست طالبا غير رسميا في كلية الحقوق - قسم اللغة الانجليزية- لمدة تزيد عن أسبوعين وانا دائم التردد من مقر الكلية في مدينة الشيخ زايد الى المقر الرئيسي لجامعة القاهرة بشكل أسبوعي اكثر من مرة لكي اطلب منهم ان يصرحوا لي بأن أدفع مصاريف الكلية والقسم بعد ان قد صُرح من قبل مديرة شئون قسم اللغة الانجليزية انني استوفيت الشروط المطلوبة في القسم ، ولسبب ما لا اعرفه لم يرسل موظف مكتب التنسيق ملفي الا بعد ما قد قرب شهر على الانقضاء وانا موجود داخل مدرجات الكلية دون استقرار نفسي او حتى المقررات الدراسية ، ومنذ ان أنهيت كل إجراءات الدفع والقبول وانا أتجنب المرور ولو مصادفة من امام شئون الطلاب .
(٣)
تخرج الخبرة من رحم المعاناة كما يقولون ، وخلال فترة الإجازات التي كنت أقضيها في مصر لم أكن أستطيع ان أتحرك خارج نطاق معين بمفردي ، كنت أتجنب بشكل كبير المواصلات العامة ، ولكن للقدر بالتأكيد وجهة نظره التي تحترم والتي لا اعتراض عليها رغم كثرة المشكلات ، وبغض النظر عن ان كارثة المواصلات العامة في مصر ليست هينة ولا كارثة النقل بشكل عام من طرق وقانون المرور ووسيلة الموصلات كارثة سهلة ، الطرق متهالكة ، قانون المرور صورة لم ارى في مصر - للحقيقة- الا رجل واحد يربط حزام الأمان وسائل المواصلات بلا أدنى صيانة ليست ومتوفرة بكثرة مما يضفي عليها نوع من امتهان الكرامة للركاب ، لكن للحقيقة المجردة اكتسب خبرات القفز من الميكروبات اثناء سيره وأصبحت خبير لافتات على الدائري والمحور .
(٤)
في هذه الأرض ما يستحق الإشادة ، حقيقةً هناك في هذا المناخ الطارد قصص نجاح ، هناك أشخاص يقدسون عملهم ويحبونه ، ويحبون أوطانهم فلا يبخلوا عليها بالجهد والعرق ، الدكتور محمد سامي - مدير قسم اللغة الانجليزية في كلية الحقوق - قال لي عند حديثي الشخصي معه انه حينما كان يدرس في جامعة الكويت كان كالذي يزرع في ارض ليست بأرضه وانه الأن ورغم كل شئ يشعر بأنه يعطي في المكان الصحيح ، على العموم ودون التطرق للناحية الأكاديمية للدكتور محمد سامي التي تعد محاضراته في مادة "الأحوال الشخصية لغير المسلمين" من أمتع المحاضرات ، أود ان اعرض لمحتين من شخصية الدكتور ... الدكتور محمد سامي كتب على كتاب المدخل للعلوم القانونية وهو مازل طالب في الفرقة الاولى لكلية الحقوق "الدكتور محمد سامي عبد الصادق " أستاذ القانون المدني وكان هذا في سنة ١٩٨٩ ورغم ان الدكتور قد تقلد عدد من المناصب القانونية الهامة في مصر وخارجها الا انه ظل يسعى وراء حلمه حتى حققه في عام ٢٠١٤ وعين أستاذاً للقانون المدني في كلية الحقوق ، ايضا في اليوم الثاني من المرحلة الاولى لانتخابات البرلمان أعطى رئيس الوزراء نصف يوم لطلاب وأعضاء هيئة التدريس في الجامعة لكي يسمح لهم بالتصويت ، طلبنا من الدكتور ان نجلس معه للحديث حول أشياء عامة وقد سمح لنا ، ومكثوا نتحدث في أنشطة جامعية ومواضيع وطنية ونفتح جميع الأبواب المغلقة لمدة تزيد عن الساعة في حوار يتحدث فيه الجميع وتحترم فيه الآراء ، هو مثال راقي وناجح عن الشخصية المصرية جعل من القسم مكان محترم ومريح للطلاب وأعضاء هيئة التدريس
(٥)
كيف نحب الوطن دون ان يطبع في قلوبنا الحبْ ، كيف يطبع في قلوبنا الحبْ دون ان نقضي فيه أوقاتاً نستدعيها حينما يسوء المشهد ويحل اليأس محل الأمل ، الوطن معناه ليس محدداً بشكل مسبق فكل فرد يعني له الوطن معنى مختلف عن الفرد الأخر ، وانا اهتم بهذه التفاصيل ، فمن اجمل ذكريات الوطن ذاك اليوم الذي حضرت فيه ندوة ثقافية لأول مرة في الجامعة الامريكية يحضرها الأديب الكبير والكاتب المخضرم الشاب الذي جاوز الخمسين أحمد خالد توفيق وقد حصلت على بعض الصور معه وتوقيع تذكاري ، ويعني لي الوطن هذه الندوة التي رأيت فيها علم الاعلام الدكتورة درية وذات الدم الخفيف الكاتبة رحاب هاني ، والعسيلي الفيلسوف الكاتب والشاعر الصاعد أندرو فوري على ضفاف النيل في مكتبة القاهرة الكبرى ، هذه هي المكونات الأولية التي تشكل الحنين حينما يغيب الوطن عنا سواء غاب ونحن فيه او نحن خارجه.

No comments:

Post a Comment